شخصية شمشون
(1) شمشون النذير :
1- " فها إنك تحبلين وتلدين ابنا ولا يعل موسى رأسه لأن الصبي يكون نذيرا لله من البطن وهو يبدأ يخلص إسرائيل من يد الفلسطينيين " ( قض 13: 5) .. وشريعة نذير للرب جاءت فى سفر العدد 6 وهى عدم شرب الخمر والمسكر وعدم أكل النجس ، وهى تشير إلى ترك مباهج العالم ونرك ما هو محلل ب‘رادته لكى يهتم بالغذاء الروحى ، فالمسكر يفسد الذهن .
2- النذر هو بناء علاقة مع الله والناس ، والمفروض أن النذير لا يعلمه أحد .. فالله يريد أن يكون هناك علاقة حية بينه وبين أولاده لا يعلم بها أحد ..
3- والنذر لا يُحل ولا يُخلف حتى ولو بعد حين ، .. فعندما رجع شمشون لرشده وتاب وأطال خُصل شعره مرة ثانية أعاد له الله قوته ، وبذلك كان شمشون نذيراً من البطن إلى يوم موته .
4- كما أن النذر لا يُنقض من جهة الله أبداً ولكن مسئولية النقض تقع على الإنسان لو أصبح غير أميناً فى نذره ، بل أن الله قد يتغاضى عن السقطة الأولى وكأنها هفوة أو ذلة ، فهو ليس للآثام راصداً ، وهذا حدث مع شمشون حينما تنجس بالأسد الميت بإرادته ، فوصية النذر تقضى بـ " كل أيام انتذاره للرب لا يأتى إلى جسد ميت " (عدد6: 6) ..
(2) شمشون الذليل :
1- أصعب شئ هو أن ربنا يختار واحد لينقذ به شعبه من الذل ويقع هو فيما أذل وأشر ، ويخيب أمل الله فيه خاصة وأن الله يعطى للإنسان إنذاراً مرة وثانية وثالثة .. لكن لا جدوى ، فكانت مشكلة شمشون هى المرح واللهو وعدم المقدرة على لتوقف فى اللحظة المناسبة ، بل يتمادى حتى السقوط ولو فى الدنس .
2- لم يستفد شمشون من فرص الله له ، فلقد ضايقته زوجته " فبكت لديه السبعة الأيام " وكان فى اليوم السابع أنه أخبرها لأنها ضايقته فأظهرت الأحجية لبنى شعبها ، ثم ذهب شمشون إلى غزة ورأى هناك امرأة زانية فدخل إليها (قض 16) فأخذ مصراعى باب المدينة والقائمتين وقلعها مع العارضة ، وكأن الأمور الروحية تحولت لفكاهة ومظهر للبطولة الخارجية الشخصية للضحك .
3- عندما سألته دليلة " أخبرنى بماذا قوتك العظيمة وبماذا توثق لإذلالك " (قض16: 6) ، لم يهرب لحياته بل استمر داخل الدائرة حتى " ضاقت نفسه إلى الموت فكشف لها كل قلبه " (ع 16-17) وأعلن السر الخفى الذى بينه وبين الله .. وبهذا أذل شمشون نفسه بنفسه منذ أن كسر الوصية ولمس الأسد الميت النجس ، وكذب على أبيه وأمه ولم يذكر لهما حقيقة الأمر ، واستمر فى هزاره " لأحاجينكم أحجية " (قض14: 12) .
4- انتهى به الأمر بإذلاله والسخرية منه وجعلوه مثل الثور بعد أن أقلعوا عينيه ، وكأن الله يرينا هذا المثال لفائدتنا نحن ، فالحياة الروحية يجب أن تأخذ شكل الجدية وليست المهزار الذى أدى به إلى هذا الحل ، وكأن الأسد الخارج عليه أخف شراً من حجر دليلة ، وموس الحلاقة أقوى من زمجرة الأسد الخارج عليه .
(3) شـمشـون وصحوة الضمير :
1- رغم كل هذا الذل إلا أننا نجد شمشون ضمن أبطال الإيمان الذين تحدث عنهم معلمنا بولس الرسول (عب11) وذلك لصحوة ضميره وتوبته وإيمانه بالله أنه سيغفر له وسيقويه " فدعا شمشون الرب وقال : يا سيدى الرب أذكرنى وشددنى يا الله " (قض16: 28) فاستجاب الله له ليؤكد رحمته وقبول توبته ، ليس انتحار بل استشهاد بعد اعترافه بخطيته التى كانت سبب فى قلع عينه .
2- لما رجع إلى رشده أعانه الله لأنه أراد أن يرفع اسم إلهه الذى عايره الفلسطينيين ، كاللص اليمين الذى اغتصب الملكوت فى أنفاسه الأخيرة ، فانظروا إلى نهاية سيرتهم ..
3- وكأن شمشون يمثل قصة سفر القضاة وقصة كل إنسان ، الذى فى أيام راحته بدل من أن يتمسك ويشكر الله على عطاياه يبددها بعيش مسرف ، لكن عند رجوعه يجد الآب السماوى فى انتظاره فاتحاً له أحضانه الحانية .