كنتُ مسافراً في القطار...
حدثَ أن جلس شابٌ على المقعد المقابل أمامي. خُيّل إليّ أنه عصبي المزاج. كان ينظر مرات عدة إلى الخارج ثم يحوّل رأسه نحو الداخل بسرعة، وهو يفرك يديه باستمرار. ثمّ وجّه إليّ حديثه قائلاً:
"عندما كنتُ في ربيع عمري، اتخذت لنفسي طريقاً لا يشرّف أحد. لم أصغ إلى أيٍّ من النصائح التي وجّهت إليّ من أهلي. أنا أعترف الآن بما سببته لهم من الحزن الكثير.
لقد وجدتُ نفسي مؤخراً في السجن. وفي عزلتي، كان لديّ الوقت الطويل والكافي لأفكّر بحياتي. خجلتُ من نفسي.. وأحسستُ أني لا أستحق أن أدعى لهم ابناً. كتبتُ إليهم طالباً الغفران. وقلتُ أيضاً أني لدى خروجي من السجن، لن أدخل المنزل إلاّ إذا سمحوا لي هم بذلك.
وطلبتُ إليهم أيضاً أن يضعوا على النافذة الشرقية قطعة قماشٍ بيضاء دلالةً على إرادتهم في استقبالي ثانيةً بينهم. فإذا لم أجدها، تابعتُ سفري إلى بلد بعيد...
وها هو اليوم المنتظر.. خرجتُ من السجن لتوّي. نحن نقترب من بلدتي. أخاف النظر إلى الخارج، فهل تساعدني؟ أنظُر أنتَ..."
بدأت عيناي تحدّقان باهتمام كبير إلى الجهة التي أشارَ بها إليّ.. ثمّ دعوتُه إلى أن يلقي نظرة بنفسه: لم نجد فقط قطعة قماش بيضاء متدلية من النافذة، إنما شراشف ناصعة البياض تتدلى من أعلى السطوح، وشرائط طويلة تلف شجرَ الحديقة التي غطّت أرضها وشاحاً أبيض!